التصرّف المالي و المحاسبي

 

 للجماعات المحلية

 

 

مقدمـة

 

إن التصرف المالي و المحاسبي للجماعات المحلية يخضع إلى العديد من النصوص التشريعية والترتيبية من أهمها القانون الأساسي لميزانية الجماعات المحلية ومجلة المحاسبة العمومية ومجلة الجباية المحلية والعديد من الأوامر التي ساهمت بشكل فعال في تنظيم هذه المادة.

من خلال هذه النصوص نلاحظ عدم وجود فوارق كبيرة بين التصرف في مالية الدولة والتصرف في مالية الجماعات المحلية، حتى أنه أطلق على مجموع القواعد و التقنيات المتعلقة بالعمليات المالية الخاصة بالبلديات و المجالس الجهوية عبارة " المالية المحلية" على غرار "المالية العمومية " بل و تعتبر المالية المحلية فرعا من فروع المالية العمومية التي تتضمن القواعد الخاصة بالعمليات المالية المتعلقة بأشخاص القانون العام وهي الدولة والمؤسسات العمومية غير التجارية و الجماعات المحلية".[1]

و ما دام ارتباط المالية المحلية بالمالية العمومية على هذا النحو فإن الوقوف على أهم المبادئ التي تحكم هذه المادة يبدو مفيدا و يساعدنا على رسم الملامح العامة لموضوعنا بوضوح منذ البداية .

*           الجماعات المحلية تتصرف في مواردها و تؤدي نفقاتها في إطار ميزانية سنوية يقع إعدادها و الاقتراع عليها و تنفيذها وفق ضوابط قانونية محددة.

*           تقسيم العمليات المتعلقة بتنفيذ الميزانية إلى مرحلتين مرحلة إدارية يقوم بها آمر القبض و الصرف و مرحلة محاسبية يقوم بها محاسب عمومي. 

*          خضوع العمليات المذكورة بالنقطة السابقة إلى قاعدة التفريق بين وظيفتي الآمر بالقبض والصرف والمحاسب ، بمعنى عدم جمعها لدى نفس الشخص ولا حتى بين زوجين بنفس الجماعة وكذلك عدم إنتماء الشخصين إلى سلم إداري واحد وبالتالي إستقلالهما إداريا عن بعضهما البعض أي عدم خضوع أحدهما لسلطة الآخر. وهو المبدأ الذي جاء به الفصل الخامس من مجلة المحاسبة العمومية بهدف ضمان الرقابة المتبادلة بين المتصرف و المحاسب و تكريس فكرة التخصّص .

*           تحمل كل من آمر القبض والصرف والمحاسب مسؤولية نتائج أعماله شخصيا وماليا فالأول يسـأل عن أخطائه أمام دائرة الزجر المالي[2] أما الثاني فإن دائرة المحاسبات تقرر تعمير ذمته بالمبالغ التي كان سببا في عدم تحصيلها أو صرفها على وجه الخطأ.

 

وقبل الشروع في درس مختلف أوجه التصرف المالي و المحاسبي للجماعات المحلية يجدر بنا كذلك أن نجيب عن أسئلة ثلاثة هامة:

 1- ماهي الجماعات المحلية؟

 2- من هو آمر القبض والصرف بها؟

 3- من هو محاسبها؟

 

1- ما هي الجماعة المحلية؟

الجماعات المحلية هي المجالس الجهوية و البلديات حيث ينص الفصل الأول من القانون الأساسي للمجالس الجهوية عدد 11 لسنة 1989 المؤرخ في 04 فيفري 1989 على أن الولاية دائرة ترابية إدارية للدولة. و هي علاوة على ذلك جماعة عمومية تتمتع بهذه الصفة، بالشخصية المدنية و الاستقلال المالي. و يدير شؤونها مجلس جهوي، و تخضع إلى إشراف وزير الداخلية.   

و يعرّف الفصل الأول من القانون الأساسي للبلديات عدد 33 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماى 1975 هذه الأخيرة على أنها جماعة محلية تتمتع بالشخصية المدنية و الاستقلال المالي، وهي مكلفة بالتصرف في الشؤون البلدية، كما أنها تساهم في نطاق المخطط الوطني للتنمية في النهوض بالمنطقة الترابية التي تهمها، اقتصاديا و اجتماعيا وثقافيا.

 و يتجسم هذا الدور التنموي خاصة من خلال برنامج التنمية البلدي الذي يهدف أساسا إلى إضفاء أكثر نجاعة في التصرف على مستوى المدن التي تعتبر ركيزة أساسية في تدعيم التنمية البشرية و الاقتصادية .

وما يثير الانتباه من خلال هذين التعريفين هي عبارة الاستقلال المالي التي تعني بأن الذمّة المالية للجماعة المحلية مستقلة عن الذمة المالية للدولة وهو ما يستوجب وجود ميزانية تخص كل جماعة محلية بمفردها وبالتالي لابد لكل من هذه الجماعات المحلية من موارد يجب تحقيقها حتى يتسنى لها تأدية نفقاتها.

إلا أن هذا الاستقلال ليس مطلقا لأن البلديات تعمل تحت الإشراف الإداري لوزير الداخلية و التنمية المحلية والإشراف المالي لوزير المالية كما جاء بالفصل 260 من م م ع.

ومن ناحية أخرى يتسم مبدأ الاستقلالية المالية بقدر هام من النسبية بحيث لا يحتوي على نفس الدّرجة من الفعالية بالنسبة لبلدية مدينة كبرى و بلدية صغرى قليلة السكان وضعيفة الموارد[3]

و من الناحية الهيكلية تعتبر البلدية على وجه التحدد ذاتا معنوية عمومية يسيرها مجلس منتخب يتركب من رئيس ومساعد أول و مساعدين و مستشارين، و يساعد هذا المجلس على تسيير الشؤون البلدية إدارة بلدية تشتمل على مجموعة من الإطارات و الموظفين و العمال على رأسهم كاتب عام.

 و هذه التركيبة المزدوجة تعتبر من أهم مميزات البلديات مقارنة بالهياكل الإدارية الأخرى والتي لها تأثير دون شك على تنفيذ مختلف العمليات المالية .

2- من هو آمر القبض والصرف بالجماعة المحلية؟

إن رئيس الجماعة المحلية هو آمر القبض والصرف حيث أنه هو المؤهل قانونا لكي يصدر أذون الإستخلاص وهو بحسب الفصل 268 من م م ع الذي يعقد النفقات ويضبط مقاديرها ويؤمر بصرفها .

فالوالي، زيادة على كونه آمر صرف مساعد بخصوص الإعتمادات المفوضة من وزير الداخلية، يعتبر آمر قبض و صرف أول بخصوص التصرف في ميزانية المجلس الجهوي، كما أن رئيس المجلس البلدي هو آمر القبض و الصرف بالنسبة للبلدية.

3- من هو محاسب الجماعة المحلية؟

لقد أكد الفصل 187 من م م ع على أن قبّاض المالية يتولون وجوبا إدارة أموال الجماعات المحلية بمناطقهم، بما يعني أنه لا يقوم بهذه المهمة إلا من كانت له صفة قابض مالية بالأساس. و هو ما أكده كذلك الفصل 262 من نفس المجلة حيث جاء بفقرته الأولى: " يقوم محاسب الدولة المكلف بمهمة محاسب للجماعة المحلية بإنجاز مقابيضها و مصاريفها"

و على هذا الأساس فإن محاسب الجماعة المحلية ينجز مقابيضها ويؤدي مصاريفها إلى جانب العمليات المتعلقة بحسابية الدولة بل و يتم إلحاق مجموع عمليات القبض والصرف الخاصة بالجماعة المحلية شهريا بعمليات الخزينة بحسابية الدولة .

 وعلى المستوى العملي يمكن لمحاسب الجماعة المحلية أن يكون واحدا من بين الحالات التالية:

*   قابض مالية يقوم بمختلف العمليات المتعلقة بالمقابيض الراجعة لميزانية الدولة يتم تكليفه زيادة على ذلك بإنجاز العمليات الخاصة ببلدية أو أكثر بمنطقته، وتهم هذه الوضعية عادة قباض المالية المتواجدين بمختلف المعتمديات و المدن الصغرى.

*   قابض مالية لا يقوم بالعمليات المتعلقة بالمقابيض الراجعة لميزانية الدولة أو يقوم بها جزئيا أو عرضيا يتم تكليفه بإنجاز العمليات الخاصة ببلدية أو أكثر بمنطقته، وتهم هذه الوضعية عادة قباض المالية المتواجدين بمراكز الولايات و المدن الكبرى.

*   قابض مالية مختص في إنجاز العمليات الخاصة ببلدية واحدة و يساعده في ذلك قابض مالية آخر أو أكثر بتكليف من وزير المالية حسب ما جاء بالفصل 262 المذكور أعلاه ، وهذه الوضعية منطبقة ببلدية تونس و بلدية أريانة[4].

*   قابض المجلس الجهوي، يتولى تأدية النفقات التي يامر بصرفها المديرين الجهويين في نطاق الإعتمادات المفوضة للدولة زيادة على توليه التصرف المحاسبي للمجلس الجهوي كما تدل عليه التسمية.

و في كل الحالات يعتبر محاسب الجماعة المحلية محاسبا أولا يتولى استخلاص كافة إيراداتها ومراقبة نفقاتها المعقودة والمأمور بصرفها من طرف رئيسها وتأديتها.

 

لتحليل مختلف الجوانب المتصلة بالتصرف المالي و المحاسبي للجماعات المحلية سنتولى تقسيم موضوعنا إلى أربعة محاور:

المحور الأول: ميزانية الجماعة المحلية .

المحور الثاني: التصرف في موارد الجماعة المحلية.

المحور الثالث: تنفيذ نفقات الجماعة المحلية.

المحور الرابع: مراقبة التصرف في أموال الجماعة المحلية. 

 

أعلى الصفحة

          

 



  راجع  نجيب بلعيد "المالية المحلية" المدرسة الوطنية للإدارة – مركز البحوث و الدراسات الإدارية –  ص13.[1]

[2]  مع مراعاة ما نصت عليه الفقرة الثانية من  الفصل الثامن من مجلة المحاسبة العمومية " أما آمرو الصرف المساعدون التابعون للدولة وآمرو صرف نفقات المؤسسات العمومية والجماعات المحلية غير البلديات وكذلك رؤساء البلديات المعينون بمقتضى أمر فتتم محاكمتهم عند ارتكابهم أخطاء تصرف أو مخالفات أثناء قيامهم بوظائفهم من قبل دائرة الزجر المالي وذلك بصرف النظر عن العقوبات التأديبية أو الجزائية التي تستوجبها المخالفات التي تمت معاينتها".

 

[3] راجع  ، نجيب بلعيد "المالية المحلية" المدرسة الوطنية للإدارة – مركز البحوث و الدراسات الإدارية- ص 15.

 

[4] يساعد قابض بلدية تونس المكتب الأول  في مهامه المتعلقة بإنجاز المقابيض خمسة قبّاض آخرين فيما يتكفل أمين مصارف بتأدية النفقات ،و يتولى القابض الأول شهريا إدماج العمليات التي يقوم المحاسبون المساعدون في حساباته  و هو الذي يعد جداول الحسابية الشهرية و الحساب المالي السنوي ، أما قابض بلدية أريانة فيساعده حاليا قابض مالية واحد في استخلاص الموارد .